شرح معلقة الأعشى |
قال الأعشى:
قال أبو عبيدة: هريرة قينة كانت لرجل من آل عمرو بن مرثد، أهداها إلى قيس بن حسان بن ثعلبة بن عمرو بن مرثد فولدت له خليدا وقد قال في قصيدته: ودع هريرة إن الركب مرتحل | وهل تطيق وداعا أيها الرجل |
صدت هريرة عنا ما تكلمـنـا | جهلا بأم خليد، حبل من تصل؟ |
غراء فرعاء مصقـول عـوارضـهـا | تمشي الهوينى كما يمشي الوجل الوحل |
وغراء مرفوع لأنه خبر مبتدأ ويجوز نصبه بمعنى أعني، وعوارضها مرفوعة على أنها اسم ما لم يسم فاعله والهوينى في موضع نصب على المصدر وفيها زيادة على معنى مصدر.
كأن مشيتها من بيت جارتـهـا | مر السحاب لا ريث ولا عجل |
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت | كما استعان بريح عشرق زجل |
ليست كمن يكره الجيران طلعتها | ولا تراها لسر الجار تختتـل |
يكاد يصرعها لولا تشددهـا | إذا تقوم إلى جاراتها الكسل |
إذا تلاعب قرنا ساعة فـتـرت | وارتج منها ذنوب المتن والكفل |
صفر الوشاح وملء الدرع بهكنة | إذا تأتي يكاد الخصر ينـخـزل |
نعم الضجيج غـداة الـدجـن | للذة المرء، لا جاف، ولا تقل |
هركوكة، فنق، درم مرافقها | كأن أخمصها بالشوك منتعل |
إذ تقوم يضوع المسك أصـورة | والزنبق الورد من أردانها شمل |
ما روضة من رياض الحزن معشبة | خضراء جاد عليها مسبل هطـل |
يضاحك الشمس منها كوكب شرق | مؤزر بعميم النبت مكـتـهـل |
يوما بأطيب منها نشـر رائحة | ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل |
علقتها عرضا وعـلـقـت رجـلا | غيري وعلق أخرى غيرها الرجل |
وعلقته فتـاة، مـا يحـاولـهـا | ومن يشي عمها منيت بها وهل |
وعلقته فتاة، مـا يحـاولـهـا | من أهلها ميت يهذي بها وهل |
وعلقتني أخرى ما تلائمنـي | فاجتمع الحب حب، كله تبل |
وتبل أي وهل، وحب بدل مرفوع من الحب أو بمعنى كل حب تبل، ويجوز نصبه على الحال كأنك تقول جاء زيد رجلا صالحا.
ويروى فاجتمع الحب حبي كله تبل.
فكلنا مغرم بهذي بصاحبـه | ناء ودان ومخبول ومختبل |
أي كلنا موثوق عند صاحبه، وقال أبو عبيدة "صدت خليدة محبول ومحتبل" بكسر الباء أي مصيد وصائد.
صدت هريرة عنا ما تكلمـنـا | جهلا بأم خليد حبل من تصل؟ |
أأن رأت رجلا أعشى أضر به | ريب المنون ودهر مفند خبل؟ |
وقال الأخفش: هو جمع لا واحد له.
والمفند من الفناد وهو الفساد، ويقال فنده إذا سفهه ومنه [قوله تعالى] (لولا أن تفندون) وخبل من الخبال: وهو الفساد.
وقوله: أأن في موضع نصب والمعنى أمن أن رأت رجلا ثم حذف من، ولك أن تحقق الهمزتين ولك أن تخفف الثانية.
قال هريرة لما جـئت زائرهـا | ويلي عليك وويلي منك يا رجل |
لم تمش ميلا ولم تركب على جمل | ولم تر الشمس إلا دونها الكلـل | |
تمشي الهوينى كأن الريح ترجعـا | مشي اليعافير في جيئانها الوهل | |
إما ترينا حفـاة لا نـعـال لـنـا | إنا كذلك ما نحفى ونـنـتـعـل |
فقد أخالس رب البيت غفلته | وقد يحاذر مني ثم ما يئل |
وقد أقود الصبا يوما فيتبعـنـي | وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل |
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني | شاو مشل شلول شلشل شول |
والنشول الذي ينشل اللحم برفق والشمل الطيب النعت والرائحة.
في فتية كسيوف الهند قد علموا | أن هالك كل من يحفى وينتعل |
ويروى: الأجل، ويقال في جمع فتى: فتية وفتو وفتي وفتيان.
يقول هم في صرامتهم كالسيوف وأن موضع نصب.
نازعتهم قضب الريحان متكئا | وقهوة مرة راووقها خضل |
والمرة والمرار التي فيها مرارة والراووق، والناجور ما يخرج من نفس الدن والخضل الندي.
لا يستفيقون منها الدهر راهنة | إلا بهات وإن علوا وإن نهلوا |
راهنة: ساكنة، وقيل: المعدة، وقيل راهبة وراهنة: وهي بمعنى واحد.
وقوله إلا بهات أي بقولهم هات، أي إذا أبطأ عليهم الساقي قالوا هات.
يسعى بها ذو زجاجات له نظف | مقلص أسفل السربال معتمل |
ومستجيب، تخال الصنج يسمعه | إذا ترجع فيه القينة الفضـل |
وترجع تصوت من شدة إلى لين. والفضل التي في ثياب فضلتها وهي مباذلها والقينة عند العرب الأمة مغنية كانت أو غير مغنية.
والساحبات ذيول الـمـريط آونة | والرافلات على أعجازها العجل |
من كل ذلك يوم لقد لـهـوت بـه | وفي التجارب طول اللهو، والغزل |
وبلدة مثل ظهر الترس موحشة | للجن بالليل في حافاتها زجل |
لا ينتمي لها بالقيظ يركبهـا | إلا الذين لهم فيما أتوا مهل |
جاوزتها بطليح جسـرة سـرح | في مرفقيها إذا استعرضتها فتل |
بل هل ترى عارضا قد بت أرمقه | كأنما البرق في حافاته شـعـل |
له ردافٌ، وجوزٌ مفأم عمل | منطق بسجال الماء متصل |
لم يلهني اللهو عنه حين أرقبه | ولا اللذاذة من كأس ولا شغل |
فقلت للشرب في درنى وقد ثملوا | شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل |
برقا يضيء على أجزع مسقطه | وبالخبية فيه عارض هطـل |
|
قالوا نمار فبطـن جـاءهـمـا | فالعسجدية فالأبلاء فالـرجـل |
فالسفح يجري فخنزير فبرقته | حتى تدافع منه الربو فالحبل |
حتى تحمل منه المـاء تـكـلـفة | روض القطا فكثيب الغينة السهل |
يسقي ديارا لها، قد أصبحت غرضا | زورا تجانف عنها القود والرسل |
أبلغ يزيد بني شيبان مألكة | أبا ثبيب أما تنفك تأتكل؟ |
ألست منتهيا عن نحت أثلتـنـا | ولست ضائرها ما أطت الإبل |
ولكنما أسعى لمـجـد مـؤثـل | وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي |
|
كناطح صخرة يوما ليفلـقـهـا | فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل |
لأعرفنك إن جد الـنـفـير بـنـا | وشيب الحرب بالطواف واحتملوا |
|
تغري بنا رهط ابن مسعود وإخوته | عند اللقاء فتردي ثم تـعـتـزل |
لأعرفنك إن وجـدت عـداوتـنـا | والتمس النصر منكم عوض تحتمل |
يقول لأعرفنك إن التمس النصر منك دهرك، واحتملوا أي اذهبوا، من الحمية والغيظ وتحتمل أي تذهب وتخلي وقومك.
تلزم أرماح ذي الجدين سورتنا | عند اللقاء فترديهم وتعتـزل |
تلحم أبناء ذي الجدين إن غضبوا | أرماحنا ثم تلقاهم، فتعـتـزل |
لا تقعدن وقد أكلتها حطـبـا | تعوذ من شرها يوما وتبتهل |
سائل بني أسد عنا فقد عمـلـوا | أن سوف يأتيك من أبنائنا شكل |
ويروى من أيامنا شكل أي أيامنا المتقدمات وما فيها من حروب.
واسأل قشيراً وعبد الله كـلـهـم | واسأل ربيعة عنا كيف نفتعـل؟ |
|
إنا نقاتلهم حتـى نـقـتـلـهـم | عند اللقاء وإن جاروا وإن جهلوا |
قد كان في آل كهف إن هم احتربوا | والجاشرية ما تسعى وتنتـضـل |
إني لعمر الذي حطت مناسمها | تحذى وسبق إليها الباقر الغيل |
لئن قتلتم عميدا لم يكن صددا | لنقتلن مثله منكم فنمتثـل |
لئن منيت بنا عن غب معركة | لا تلفنا من دماء القوم ننتقل |
لا تنتهون ولا ينهى ذوي شطـط | كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل |
المعنى لا ينهى أصحاب الجور مثل طعن جائف يغيب فيه الزيت والفتل.
حتى يظل عميد القوم مرتفقا | يدفع بالراح عنه نسوة عجل |
وقيل تدفعن لئلا يوطأ بعد القتل.
أصابه هندوانـي، فـأقـصـده | أو ذابل من رماح الخط معتدل |
كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم | إنا لأمثالكم يا قومنا قتل |
نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية | جنبي فطيمة لا ميل ولا غزال |
وقال أبو عبيدة هو الذي لا سلاح له، وإن كان معه عصا لم يقل له أعزل، ويقال معزال على التكثير.
قالوا الطراد فقلنا تلك عاداتنا | أو تنزلون فإنا معشر نزل |
قد تخضب العير من مكنون فائله | وقد يشيط على أرماحنا البطل |